كان سقراط الحكيمَ اليوناني الأوسع أثراً على الفلاسفة و الإخباريين المسلمين في مجال الفلسفة الخُلُقيّة , و لذلك كثيراً ما غلبت عليه صورة الزاهد الحكيم أكثر من الفيلسوف , فأكثر الاستشهاد به يكون بالنصائح القصيرة في الزهد و الفضيلة , و امتزجت الحكايات عنه بشخصية ديوجين الكلبي , و لا يخلو الأمر من تحميله – كغيره- كلاماً سياسيّاً أراد الكاتب في ظلّ الدولة العبّاسيّة أو السلطنات أن يقوله هو .
في أحد القصص التي يرويها الفيلسوف الكندي عن سقراط , يمثل سقراط أمام الملك ليسائله عن إنكار الأصنام , فيقول سقراط : إنّ الأصنام جيّدة للملك و ليست جيّدة لسقراط , يقول الملك : لمَ ؟ , فيجيب : لأنّها لا تلزم الفيلسوف و قد تلزم غيره , فيسأله الملك مرّة أخرى : و لمَ ؟ , فيجيب جواباً غاية في الذكاء و الدلالة , يقول :
” لأنّ من عرف الله حقّ معرفته , و عرف ما يرضيه , لم يحتج إلى ما يردعه عن السيّئات و يخيفه منها للزومه الواجب , فأمّا على خلاف ذلك فإنّه يحتاج من يردعه عن السيّئات من خوف الأصنام المصنوعة “
من هنا يمكن قراءة كتابات سيد قطب حول أنّ التوحيد هو الشرط النافي لأيّ استبداد , و أنّ المجتمع أصبح جاهليّاً دون أن يعلم , ما دامت الجماهير تهتف في الساحات لمن يستعبدها و يقتل الآخرين .
هؤلاء العوامّ الهائمون في الشرك – دون أن يعرفوا أو يعترفوا – بينما يحملون السبحات , لا يكفّون عن اتباع أصنامهم المصنوعة في المسجد و المحكمة و الثكنات , لكنّها ليست أصناماً من تمرٍ يؤكل , ولكنها أصنام من دم جافٍ لا يكفّ عن أكلهم , وهم راضون مستمتعون .