حين تعدّ دراسةً متعلّقة ببلدٍ ما أو ثقافته فالطبيعيّ و البدهيّ أن تعود لدراسات أهله أوّلاً , حين تحاول إعداد دراسةٍ متعلّقة ببلدٍ عربيّ حتى لو كان بلدك , فالطبيعيّ و البدهيّ أن تبحث عن الدراسات الغربيّة أوّلاً , لأنّها تكاد تكون الوحيدة الجادّة و التي يمكن الاعتماد عليها .
هذا وضع سابق و قديم و ممّا لم تحلّه الثورات العربيّة , لأنّها حتى الآن يجري التعامل معها حتى في الوسط المثقّف و البحثيّ بصورتها الشعاراتيّة و اصطفافاتها السياسيّة المؤقّتة , لا باستيعابها و فهم سياقاتها و رصد وجوهها المختلفة فضلاً عن التنبّؤ بمآلاتها .
هذا ليس ذنب الثورات بالضرورة , بقدر ما هو متعلّق بعقم تعريف الثقافة الموروث لدينا , و حصرها بتحالفات نخبٍ لم تصل لكونها نخباً بتحصيلها العلميّ أو منجزها الفكريّ بقدر ما حصلت على منصبها النخبوي بديباجات مسبقة من الشعارات و بتحالفات سياسيّة-اجتماعيّة تعرّف نفسها بالانفصال عن المجموع و تجهيله .
هذا جرى تجاوزه , او لنقلْ بدأ تجاوزه على مستوى التشكيلات الثقافيّة الشبابيّة الجديدة , و التوجّه الثقافيّ العامّ في إشكالاته و أفقه الرمزيّ , لكنّه لم يتطوّر بعد لتشكيل حالة بحثيّة و ثقافة في المستوى الأكثر صلابةً و منهجيّة .
و لكن العائق الأكبر أمام تجاوز الحالة القديمة المسرحيّّة للثقافة و و الوعي المزيّف الناشئ أساساً من طبيعة الدولة القائمة على تحالف المؤسّسات المُدارة من قبل النخب المعرّفة بالانفصال عن المجموع المجهّل , هو السعي الحثيث لإعادة استيعاب الحالة الراهنة بذات التصنيفات القديمة و صراعاتها الثنائيّة الخطابيّة , و من هنا – قبل المليارات المسيّسة – يكون التحوّل التاريخيّ المتمثّل بالثورات مهدّداً بألّا يكون تحوّلاً حقّاً , ما دام مستوعباً داخل الحقل الرمزيّ للواقع القديم نفسه , و لم يعشْ إشكالاته هو و لا استوعب صراعاته ضمن خطابه هو , إنّ العائق الرمزيّ أمام التحوّل التاريخيّ هو ما يتيح للعائق المادّي معقوليّة و قدرة على التأثير و الإماتة و العودة بالزمن , مهما غطّي الراهن بالشعارات الضخمة و المعارك الإعلاميّة المسيّسة .
و الله أعلم .