عن الكلوم والكلام

صلةٌ خفية قريبة كالوريد أرادتها اللغة ما بين الكلوم ( الجراح) والكلام في جذر الكلم , كلامنا حربُنا الأولى في الوجود , تشقّ اللغة جسد الهواء لتخيط من ارتباكه الدامي جسداً من الكلمات, هو ما تلبسه لتلمسه البشريّة كلّما ارتابت من تحقّقها.

ولكن ثمة صلة أخفى , و أبعد شبهاً , ما بين التألّم و التكلّم , ما الذي أرادته اللغة ؟
ربما أن تشير بحزن أن كثيراً من الجراح أقرب من وعينا بها، أن بعض الجراح ألصق وأعمق من أن نتألم لها، هنا يسبق الوجود الماهية حقّاً , ربما لو كنا صامتين لما كان كلّ هذا الألم, أي أننا من نخترع آلامنا حين نرسم لها حيّزاً في اللغة, ولكننا أساساً نعي وجودنا لامتلاكنا حيّزاً في اللغة, أو على وجه الدقة لوجودنا في اللغة , لو كنّا صامتين لما كنّا.

مفارقة اللغة وعبقريّتها أنك تشقّ منها وجودك , بقدر ما تشقّك في الوجود.

من تكلّم تألّم
ولكن من لم يتكلّم فلن يعرف الألم بقدر ما لن يعرف اللذة وبقدر ما لن يعرف نفسه, وبقدر ما أن نفسه لن توجد , أو على وجه الدقّة لن تتشكّل, البئر الساكن لا ماء فيه, لن تشرب الماء أو تلمسه ما لم يتحرّك, ما لم يتكلّم.

يقول الإنجيل : في البدء كان الكلمة
يقول أرسطو : في البدء كانت الحركة
يتطابق السكوت والسكون, ويختفي الصمت في الموت, وعلى الإنسان ليحيا أن يُنتزعَ من الرحم ويبكي, ليكون بكاؤه دليلَ وجوده في الضياع غير المفهوم, موقناً منذ الضربة الأولى أن عليه كي ينسّق هذا الضياع ويتصل بالوجود كذات مستقلّة لا كموضوع لوجود الآخرين, أن يتقن اللغة مثلهم لتحلّ مكان بكائه, ولكنه على وجه الدقة وكما سيدرك لاحقاً , سيتعلّم البكاء بشكلٍ أكثر أناقة من عريه الأول.

أضف تعليق