معذبو الأرض والالتحام بالهوية الإسلامية

يتكلم فرانز فانون في كتابه الاستثنائي (معذبو الأرض), والذي أعاد الأصدقاء في مدارات للأبحاث والنشر طباعته حديثاً, أن المثقف الإفريقي بعد أن يبهر بالمستعمِر ويحاول أن تشبع بثقافته وتؤول هذه المحاولة إلى رفض الاعتراف به في الغرب, يرتد إلى الذات ليحاول الالتحام بالهوية النقية المتخيلة عن شعبه, فيتتبع كل تشابه مع ثقافة الغرب لينفيه, ويؤكد بالمقابل غرائبية ثقافته التي يتندر منها المستعمِر, وليعود إلى صور من طفولته ليحييها كمظاهر قومية (لبس البابوج بديلاً عن الأحذية مثلاً), “إن الرغبة في العودة إلى أحضان الشعب تكون في بعض الأحيان أثناء هذه الفترة رغبة في أن نكون زنوجا, لا زنوجاً يشبهون غيرهم من الناس, بل زنوجاً زنوجاً, زنوجا كلابا كما يريد لنا البيض أن نكون !”

هكذا في سبيل رفض الهيمنة الغربية على مصير العالم الإسلامي, ارتد بعض المسلمين إلى رفض التماس المعرفي مع هذا الغرب الجاهلي, بل والتغني بشيطنة منجزه الحداثي دون الاطلاع عليه حتى, وهكذا يصبح التأكيد على الهوية هو ساحة المعركة الأهم (إن لم تكن الوحيدة), لنثبت أننا أفضل منهم, وأن الغرب سينهار حتماً في المستقبل, وسيكتشفون -هكذا- أن الإسلام هو الحل لمشاكلهم المستعصية.
وهنا تعود هذه الفئة في المعركة إلى إحياء نماذج تاريخية متخيلة عن الإسلام, في شكل الدولة أو الخطاب أو الثياب.
ولأن هذه الفئة “لا تعطي الدنية في دينها” وتؤمن أن “سيعزّ الله دينه ولو كره الكافرون”, فإنها لا تبالي -مثل المنبطحين- برفض ادعاءات الغرب أو أعداء الدين, بل تفتخر مراغمةً لهم بكونها تطبق كل تهمهم بكبرياء ولا مبالاة, هنا تكون الرغبة في العودة إلى الإسلام رغبة في أن نكون مسلمين مغايرين للكفار, مسلمين لا يشبهون الناس, مسلمين متخلفين وسفاكين للدم وأعداء للعلم والعصر كما يريد لنا أعداء الدين أن نظهر وأن نكون .

أضف تعليق