ظاهرة استباحة الكذب لدى السلفية الجهادية

فيما بعد استباحة الدماء، فإن أسوأ ما يورثه غلاة السلفية الجهادية ليست إباحة التكفير السياسي لكل مختلف، بل هو إباحة الكذب نتيجة ذلك، ما دمنا غرباء ومظلومين بين جموع من المرتدين وأهل الضلال وعبدة الطاغوت، فالحياة كلها معركة، والمعارك خدعة.

جربنا ذلك مع داعش وأخواتها، كانوا يخطفون الثائر أمام عيون الناس، ثم ينكرون أنه عندهم، وكانوا يقتلون المجاهد بسلاحه بعدما أنزله ورعاً، ثم ينكرون أنهم عرفوه، وكانوا يخوّنون ويكفّرون فصائلنا في مقراتهم ودروسهم ثم إن سألتهم قالوا لا نكفّر المسلمين.

إن الحضارة بعامة، أياً كان شكلها، قائمة على إمكان التعاقد، أي على اشتراط الصدق والقدرة على التنبؤ بسيرورة الحياة ووظائفها، ما دامت ضمن شروط التعاقد المتفق عليه، ومن ضمنه التعافد الضمني على حفظ الضرورات الخمس (النفس، الدين، العقل، العرض، المال)، ووجود المحاكم القضائية كمرجعية نهائية لأي إخلال بهذه العقود.

وما يمنع من مرضوا بمنهج السلفية الجهادية من التعايش حتى مع الفصائل المجاهدة القريبة منها كما قالت لنا تجارب عقود مضت، هو هذا بالذات، إنه الكذب وعدم القدرة على التنبؤ نتيجة فقدان الثقة، وهذا يلغي أساس قيام المجتمع والحضارة والدين نفسه.

أضف تعليق