ليل البنفسج

on


تلتقي الغيمتان فيكون الرعد، ويلتقي النهران فتكون البحيرة، ويلتقي قامتان في الفنّ فيكون ما لا ينساه القلب.

إحدى أجمل التقاءات الشعر بالغناء، هو التقاء مظفر النواب مع ياس الخضر، أبو عادل وأبو مازن كما يناديهما المحبون، وكان ذروة هذه القمة هو “ليل البنفسج” قصيدة مظفر العامية الآسرة التي غنّاها ياس الخضر.

“يا طعم..

يا ليلة من ليل البنفسج

يا حلم..

يا مامش بمامش

طبع قلبي من اطباعك ذهب

ترخص… أغليك وأحبك

هو طعم وحلم هكذا مطلقاً بلا تحديد، يصعب إمساك وصف المحبوب، وعصيّ معناه على التقييد، أو أنه مبهم هكذا منفتح على أفق التكهن والتجربة، أو هو مامش بمامش، لا شيء بلا شيء، بلا طمع أو فائدة أو سبب يمكن تعليل هذا الحب به، وهو يدرك أن هذا المحبوب يرخص وينقص ويزيّف ويلهو .. ومامش، ولكنه رغم ذلك أو دون أن يبالي فيه.. يحبّه.

يا طواريّك من الظلمة تجيني

كانت ثيابي علي غربة قبل جيتك

ومستاحش من عيوني

وآلمتني

وعلى المامش علّمتني

في الليل تجيء قصص المحبوب، ولكن لا يأتي الحبيب، كانت ترعبني دوماً فكرة السجن، هذا الزمن الساكن الباهت والطعام والجدران والوجوه والليالي والشموس المكرورة بلا معنى، أي وحشة عاشها سجين تدمر أو تزمامارت، أو أي سجين في قيد ما، مجرد التفكير بذلك مرهق.

كان سجن مظفر هو غياب الحبيب، حتى الثياب اللصيقة بالجسد هي “غربة”، وأصبح مستوحشاً حتى من عينيه، هذه مبالغة تقسم القلب، ولم تخطر بخيال أحد، أن يستوحش حتى من عينيه لأنه لا يرى بهما من أحب، وطنه أو حبيبته أو نفسه.

في غربة الحرمان ووحشة غياب المحبوب، تجاوز مرحلة الزهد واللامبالاة بالأشياء، أصبح الوجود نفسه عبئاً ثقيلاً ومضجراً، ويذكره كل ما مسّه بما غاب عنه، ولو كانت ثيابه… ولو كانت حتى عينيه، كيف لضوء العالم أن يملأ عيني وحيد يبحث عن محبوب !؟، وحتى لو كان ما ينتظره بعد كل ذلك هو “مامش”، ولكن يحبه

شلون اوصفك وانت كهرب

واني قمرة عيني دمعة ليل ظلمة

شلون اوصفك وانت دفتر

واني كلمة

ياللي ما جاسك فكر بالليل

ما جاسك سهر

ياللي بين حواجبك غفوة نهر

ياللي جرة سما بعينك

خاف أفززها من أقلّك

أنا احبك

أنا أحبك

حين غنى ياس الخضر هذه القصيدة منعت إذاعتها في العراق، لا أحد عرف السبب حقاً، ولكن لا أحد على مرّ الفرات لم يسمعها، قيل إنه لموقف مظفر يومها، وقيل إن ثمة إشارات سياسية في القصيدة، قد يستغرب ذلك من يسمع كل هذه الإشارة للحب أين السياسة، ولكن هل ثمة من يعرف حقاً ما هو خارج السياسة أو داخل المحبة ؟!

أوطاننا وثوراتنا وأحلامنا وأحزاننا وحبيباتنا… قد تكون مامش بمامش.. ولكن كيف لنا ألا نحب ونغرق

“يا طعم

يا ليلة من ليل البنفسج

يا عذر

يا مامش بمامش.. وأحبك

أضف تعليق