كنت أقرأ مقالة رضوان السيد تعليقاً على كتاب وائل حلاق الأخير “قصور الاستشراق” وكتاب طه عبد الرحمن الأخير “ثغور المرابطة”.
لم أطلع بعد على كتابي حلاق وعبد الرحمن، ولكنني أميل إلى نقد رضوان السيد تجاه التركيز الحديث -عربياً- على نقد الحداثة والغرب والدولة الحديثة ومنتجاتها، والتي لم نحصل عليها بطبيعة الحال.
رضوان السيد اسم مرجعي في الدراسات الإسلامية وأنا مدين لمجلة الاجتهاد التي كان يرأس تحريرها وما زلت أراجع أعدادها حتى اليوم، وكذلك الأستاذ الكبير وائل حلاق رائد دراسات التشريع الإسلامي، والتي لم تنتشر إلا قليلاً -للأسف- مقارنة بكتابه “الدولة المستحيلة”، ورغم اختلافي بعد ذلك مع مشروع الأستاذ طه عبد الرحمن إلا أنه يبقى صاحب مشروع فلسفي وتيار فكري يشغل مساحة مهمة من المعرفة العربية اليوم.
المشكلة في طرح رضوان هو أنه يطابق بين إنقاذ الدولة الوطنية وبين الدول التقليدية القائمة فيما يُعرف بمحور الاعتدال، والتي منعت فعلياً نشوء دولة وطنية كما منعت وجود دولة حديثة وتقف عائقاً أمام الحداثة السياسية ومنظومتها، وأعادت العرب إلى ما قبل الدولة والتاريخ في دعمها للثورات المضادة، ولسنا مخيّرين بين دعم هذه النظم على حالتها وبين الانهيار أو الاحتلال الخارجي فقط.
وكذلك فإن مواجهة هذه الدولة المستبدة وفشلها لا يكون بنقل المواجهة نحو الأدبيات اليسارية والجهادية التقليدية ضد الغرب والحداثة والديمقراطية، ولا بتقبل الاحتلال الإيراني وأدواته -مثل حزب الله الإرهابي في لبنان- لأن الحالتين فيهما تكريس لغياب العربي وإذلاله وخروجه من التاريخ أكثر من النظم التي يريد مجابهتها.
ليس صعباً أن تكون ضد الاستبداد وضد الاحتلال الإيراني والروسي وضد الهيمنة الغربية في الوقت نفسه، وأن تؤمن أيضاً أن مواجهة هذه الظواهر لا تكون بالارتكاس نحو الخطاب العدمي في العداوة مع العالم ومع العصر، لأن هذا الخطاب لا يعني بالضرورة حالة عداوة جذرية ضد هذه النظم وإنما قد يمنع -أو يعوّض نفسياً- المواجهة الحقيقية معها، ولا يكون الحل أيضاً بالدخول في خدمة أحدها ضد الآخر.
وليس صعباً الإيمان أن قيم الحرية والتعددية وثقافة النقد والاختلاف والإيمان بمنظومة حقوقية وأخلاقية مرجعية تجاه المجتمع والآخر، هي كلها قيم ما زالت ممكنة، ليست غزواً ثقافياً ولا هيمنة كولونيالية ولا رومانسيات حالمة، على الأقل ممكنة على المستوى الشخصي وفيما بيننا، إن لم نستطع بعد نقلها إلى أن تكون سلطات سياسية وقانونية في هذا الخراب العربي الكبير.