ربما الدحيح هو البرنامج الوحيد الذي أتابع حلقاته كلها باستمرار، نجح أحمد الغندور في أن يصبح العلم الطبيعي -للمرة الأولى في بلادنا- حديثاً شعبياً في البيوت والمقاهي وقضية رأي عام، عدا عن أنه كوميدي مبدع وخفيف دم دون تكلف معظم برامج اليوتيوب الأخرى، وهو قابل للخطأ والنقد ومراجعة معلوماته أيضاً، وهو لا يدعي أن برنامجه أكاديمي علمي وإنما برنامج كوميدي لتبسيط العلوم، وأنا لا أعرفه شخصياً ولا التقيته ولا أعرف توجهاته السياسية.
انتشار الدحيح هو سبب الحملة ضده، وهي حملة بذيئة وتدين أصحابها بكل أبعادها في الحقيقة.
القنيبي صديق الدواعش والمروج لتنظيم القاعدة والمحرض على قتل الثوار السوريين طيلة سنوات، هو أحد أدوات الثورة المضادة الأشد فتكاً، لأنها تخاطب الجمهور والأنصار المفترضين لهذه الثورات، ويزيده شعبية عن منظري السلفية الجهادية الآخرين أن خطابه العام وشعبيته ينطلق من خطاب الدعوة وأخلاق المجتمع وحماية الدين، وهو الخطاب الذي يشترك فيه مع قواعد المؤسسة التقليدية والإخوان المسلمين.
وعبر المظهر المتحضر والأنيق والكلام الهادئ يصبح الكلام أكثر قبولاً ويعطي طابع الحوار الهادئ والعقلاني، وننسى أنه بهذا المظهر الأنيق والكلام الهادئ نفسه كان القنيبي يروج لتكفير الجيش الحر ويشرعن جرائم داعش والقاعدة بحق خيرة شباب سوريا وأنبل ثورات الشعوب.
في النقاشات المبكرة لعلم نفس الجريمة، كان هناك نظرية بدائية عن صفات جسمانية للقاتل المتسلسل لتسهيل توقعه قبل أن يقوم بالجريمة، تركزت هذه الصفات على أنه ضخم الجثة وأسنانه بارزة وعيونة جاحظة، حسب صورة القاتل والشرير في المخيلة، أتى “تيد باندي” ليهدم هذه النظرية ويصبح أشهر قاتل متسلسل في تاريخ الشرطة الأمريكية، باندي شاب وسيم المظهر متوسط الجسم وطالب حقوق ومثقف ومتحدث لبق، ومع ذلك كان صاحب السجل الأكبر في عدد الضحايا الذذي فاق 30 فتاة.
حسناً، القنيبي هو تيد باندي السلفية الجهادية، لكن تيد باندي خاض معركته بنفسه على الأقل مثل داعش، أما القنيبي فهو كان دائماً أجبن من أن يخوض معارك مباشرة، في المرة اليتيمة التي انتقد فيها أحد الأحداث في الأردن من منطلق الدفاع عن أخلاق المجتمع، وليس من منطلق عدواته لنظام الحكم أو سياساته، تم سجنه وسكت بعدها، كما سكت عن التعليق على الشأن السوري، وأتت قضية أحمد الغندور واتهاماته بنشر الإلحاد بوابة القنيبي وتيارات محيطة به من الإسلاميين المهزومين للعودة إلى الساحة والتأثير، باعتبار ساحة الدفاع عن الدين وتهييج الجماهير ضد أعداء مفترضين سيقوضون الدين ساحة لعبهم المفضلة.
بإمكان القنيبي أن يسكت عن القضايا السياسية في بلده ويدخل في صفقات مع الدولة تتضمن صمته عن الخطوط الحمر والإفراج عنه، ولا يشعر بأي حرج ذاتي ويجد مبررات له في كل ذلك، وفي الوقت نفسه بإمكانه أن يحرض من حديقة منزله بخطاب هادئ وعقلاني على تكفير الجيش الحر ويقول للشباب السوريين الذين يمسّهم الخطاب الدعوي والإسلامي إنه لا يمكنهم التعاون مع أبناء شعبهم وثورتهم ولا رفع راية شعبهم وثورتهم وأنهم قد يقعون في الكفر نتيجة ذلك، وحتى لو كانوا تحت القصف والبراميل ويواجهون حرباً دولية لإفنائهم وإبادة شعبهم فلا مبرر لهم بتحالفات لا يرضاها أو مرونة بالخطاب ولا حتى بالقول إنهم يقاتلون ضمن حدود وطنهم فقط، يجب أن يرفعوا السقف حتى الخلافة وتكفير الجميع لكي يرضى الصيدلاني الأنيق في حديقته الهادئة دون أن يخوض هو أي معاناة أو حرب نتيجة ذلك.
وبإمكانه أيضاً أن يدرس الصيدلة ويقدم الأبحاث للأكاديميا الغربية ويعتمد على دراسات علمية لا تتضمن إثبات الخالق وتعتمد على نظرية التطور والبينغ بانغ وغيرها، ولا يشعر بأي حرج أو تناقض ويجد مبررات لنفسه، وبإمكانه بسهولة أيضاً وبعد سنوات وبالهدوء نفسه أن يحرض جماهيره من الدواعش والقاعديين وأنصارهم ومن عامة الشعب المتدين المخدوعين بأناقته وهدوئه أن هناك شاباً في مصر اسمه أحمد الغندور يروج للإلحاد والإباحية وتشويه الدين وهو خطر على المجتمع، ولكن تحت شعار الحوار العلمي الهادئ، فقط لأن الدحيح أورد النظريات العلمية المعروفة لكل دارس مبتدئ للعلوم، والتي لا يمكن نقاش قضايا العلم الطبيعي دون الحديث عنها.
بالنسبة للنقاش العلمي فأساس النقاش كله غير علمي، لا تتضمن أي نظرية علمية ذكرها الدحيح أو القنيبي إثباتاً للإلحاد، كما لا تتضمن أي نظرية علمية أيضاً إثباتاً للخالق، العلم معني بدراسة المادة والإله ليس مادة، والإساءة للدين تكون حين نصور الإله العظيم والقرآن الكريم بحالة من الهشاشة واللايقين تحتاج إلى طالب فيزياء حتى تثبت صحتهم ووجودهم.
رد القنيبي على الدحيح ليس علمياً، حتى نقول ناقشوه بالعلم، هو يتهم شخصاً بالترويج للإلحاد والإباحية ويحرض عليه وينطلق من خلفية سلفية جهادية مرتبطة بتنظيم داعش والقاعدة، ويجمّع نظريات علمية في الرد على نظريات علمية أخرى ضمن هذا التحريض.
في الحقيقة المروج الحقيقي للإلحاد هو أمثال القنيبي ووجدي غنيم وخرافات الإعجاز العلمي وخطابات التجهيل وتزييف الوعي التي يتم ترويجها في المجتمع في معارك وهمية تزرع الانفصال بين الدين والعلم، والانفصال بين الدين والتحرر السياسي وقضايا الناس وحقوقهم