حليفي أبو العز

on

كان عمر عرابي أبو العز بطل رفع أثقال في لبنان ومدرباً رياضياً في حلب، انضم للجيش الحر، أول مرة التقينا في جلسة عامة وأنا أتحدث في الوضع السياسي، لاحظت أنه ينظر إلي بتركيز، بعدها أخبرني ملهم أبو صالح أنه قال له: هاد الأستاذ بحكي كلام كويس بس ما فهمت عليه شو بدو، بعدها استعملت القليل من تجربتي في النادي لبناء أحاديث مع أبو العز، وتوطدت علاقتنا واهتماماتنا المشتركة حين أصبحنا نناقش الكثير من أحاديث اللحم، وهو يشكو لي أنه بيمضيها مع أبو قتيبة على جبنة وزيتون، رغم أن جسمه يحتاج إلى الكثير من البروتين.

مرة اجتمع الشباب في زيارة جماعية للمسبح، وكانت اللعبة الأثيرة أن يجتمعوا كل مرة على واحد ويرموه بالمسبح، اجتمع على أبو العز نصف الموجودين وما قدروا على زحزحته حتى هو سمح لهم، وأنا اختصرت وقلت ما حدا يقرب علي أنا حليفي أبو العز.

في بداية الحصار ورغم سوداوية الوضع والدمار المتمدد وحجم المحازر المرعب وانحسار أنواع الغذاء، لم يفقد أبو العز مرحه وطيبته التي يعرفها الجميع، ولا فقد نخوته وشجاعته، وكان يخرج كل مرة لمهمة، رباط أو تهريب سلاح أو حفر خنادق، رأيته في يوم وقد شذّب لحيته وتأنق وعليه هدوء ومسحة حزن وصمت غريبة عليه، صباح اليوم التالي (21 أيلول 2016) خرج بهذه الأناقة مع طفلته لشراء فطور، حين سمع صوت برميل باتجاه المكان هرع لأقرب عمود وضمّ طفلته إلى صدره وأحاطها بعضلات يديه، هذا الجسد القوي الصلب الذي اعتاد رفع الحديد وإخافة الرجال كان متكوراً هناك وحيداً خائفاً على طفلته بينما تنهار المدينة، اخترقت الشظايا جسد أبو العز واستشهد هناك، نجت ابنته بحماية حضن والدها، كادت تكسر ضلعها الضمّة.

حين وصلني خبر استشهاد أبو العز في ذلك اليوم لم أشعر بالحزن حقاً، تحول الموت إلى خبر يومي ومتوقع بالنسبة للجميع في تلك الأوقات، منذ المعارك التي سبقت سقوط الكاستيلو ثمّ فك الحصار الأول والاستنزاف الكبير في معارك الراموسة ثمّ إحكام الحصار الثاني، ولكن ربما كان سبب عدم الحزن هو أن اسم أبو العز ارتبط عندنا بالفرح والألفة الجميلة رغم جسمه الوحشيّ، ولكنني الآن حين أرى وجهه أدرك أنني حزين، وأن آبار الحزن التي غطيناها بلامبالاة عوّدتنا أو اضطرتنا إليها الحرب، لم تجف هناك، وتحتاج نسمة ذكرى لتفيض وجوهاً وحكايات وزفرات للعمر الذي كان هناك.

أضف تعليق