في مساء جمعة الخامس والعشرين من أيار لسنة 2012، ليلة السبت، حصلت مذبحة الحولة.
بدأ الأمر بقصف واسع على قرى سهل الحولة، كان معظمه على بلدة تلدو، بعد مظاهرات الجمعة الأخيرة من أيار، كان المراقبون الدوليون على بعد 20 كم في مدينة حمص، طيلة ساعات القصف وجهت نداءات الاستغاثة حتى يأتي المراقبون، لم يأت أحد.
بعد موجة القصف العنيف واختباء الناس في البيوت، والأطفال في الأحضان، نزلت مجموعات الشبيحة إلى السهل بالسكاكين والبنادق قرب مغيب الشمس، وبدأت المذبحة.
على أطراف بلدة تلدو في سهل الحولة في ريف حمص في وسط سوريا، هجمت ميليشيات الأمن والشبيحة من القرى “العلوية” القريبة، اقتحموا منازل عوائل عبد الرزاق والكردي والسيد وعبارة، كان الآباء والأبناء والأمهات هناك، لم نعرف من قُتل أولاً، ولكن قُتل الجميع.
وُجد الأطفال بعد المذبحة مكبلين، ربما حتى لا يهربوا، أو لئلا يتحركوا ريثما ينتهي ذبح آبائهم وأمهاتهم، ربما كبلوهم حتى يروا.
بالسكاكين والبلطات قطعوا أوردة الرجال، وبالسكاكين والبلطات شقوا صدور النساء، وبالسكاكين والبلطات ذبحوا أعناق الأطفال.
أشارت تقارير الأطباء أن الشبيحة بعد طعن ضحاياهم بالسكاكين رموهم بالرصاص، ربما للتأكد من موتهم، أو ربما لمجرد ألا يشعروا أن حمل المسدسات والبنادق كان بلا فائدة.
سوف يتذكر السوريون قشعريرة تلك الليلة في كل سنة، صعقة كل خبر لم يتأكد بعد، تمنياتنا أن نكون كاذبين ومبالغين، وصمت الموت الذي حلّ على العالم كله حين رأينا صور الشهداء.
سوف تحصل مذابح عديدة بعد هذا اليوم، وسندفن بأيدينا جثث الأصدقاء ونودع أقاربنا في القبور، وستنهدّ المدن وتمحى القرى، وسنخرج مرات عديدة من رماد القصف واحتمالات الموت، ولكن لا شيء يمكن أن ينسينا تلك الليلة، في تلك الليلة قرر آلاف الشباب أنهم سيحملون السلاح.
بصور معتمة من هواتف قديمة سوف نرى أطفال الحولة مصطفّين ومكبلين، ببيجامات النوم الملونة والشعر غير المصفف وملامح الذهول الأخيرة، وعلى ثيابهم رأيناهم تبوّلوا خوفاً، بقعة رسمت أصدق خارطة للعالم، كانوا وحدهم هناك وسط السكاكين والبلطات، رأوا كيف تدخل السكين في عنق الأب، وكيف تنغرز الحربة في صدر الأم، سمعوا حشرجة الأهلين، ورأوا دموعهم الأخيرة، وكانوا مكبلين حتى ذبحوا، وكان المراقبون الدوليون على بعد 20 كم في مدينة حمص، ولكنهم ذُبحوا وحدهم ولم يأت أحد.
في الملخص الحقوقي للمذبحة كتب التقرير:
“107 من القتلى هي الحصيلة الأولية لمجزرة الحولة 107 هم ما تمكنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان من توثيقهم بالاسم الثلاثي والصور، من بين الضحايا 49 طفلاً دون العاشرة من العمر، و32 امرأة، وما تزال هناك جثث لم نتمكن من الوصول إليها وتوثيقها.”
…..
قبل أيام من الذكرى التاسعة لمجزرة الحولة، ظهر أحدهم أمام الناس جميعاً، متحدثاً عن التحرر ومقاومة الظلم وقتل الأطفال في فلسطين، وختم كلامه بالتحية إلى بشار الأسد، لم يصمت ولم يتذكر، لم يتلعثم ولم يحاول الانتحار قبل نطق الكلمات.
لا يستحق من يحيي الأسد الشتيمة أو العقوبة، فلا شتيمة أو عقوبة في هذا العالم الذي نعرفه أكثر انحطاطاً من أن تكون ذلك الشخص الذي يحيي الأسد، ولكان توارى واختار الصمت أبداً خجلاً من المرآة واعتذاراً للإنسانية، لو أنه يعلم فقط كم أن بول أطفال الحولة أطهر من لسان حيّى الأسد.
